حدَّثني من كان أغلب حديثه ذكرا لمآثر معلمه الذي لا يعرف إلا هو قدوة ومثلا؛ أنه يذكر جيدا تلك الهيبة التي كان ينفرد بها معلمه القدوة، فلا يجرؤ أحدهم على محادثته أو مد عينيه نحوه...
ويستشهد زميلي بما وقع في قسمه ذات يوم؛ حين كان الطلبة يملأونه بالحركة والنشاط سرورا أوشرورا...
فجأةً.. لُمح ظلُّ المعلم "الْمُهاب" يطل من بعيد، وسُمعت بحّة صوته المعتادة، فهرع الطلبة سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون، فتراهم سكارى وما هم بسكارى ولكن عقاب المعلم شديد..
استقر كلٌّ منهم في مكانه ونجا بنفسه خشية أن يُتَّهم بالوقاحة وسوء الأدب جراء "الفوضى" التي أجرمها.
يضيف زميلي معتزّا مفتخرا: أرأيت إلى الهيبة التي يتّسم بها معلمي؟ فهي وحدها التي تجعل الطلبة يحترمونه ويهابون مواجهته..
قلت في نفسي: ألم يكن من الأجدر بهذا المعلم "القدوة" أن يجعل طلبته - إذ يهابونه – يتسارعون إلى استقباله والظفر بابتسامة منه وكلمة طيبة ؟
إن الوضعية الصحيحة؛ هي التي يكون فيها احترام المعلم مصدرَ سلطته، لا الوضعية التي تكون فيها سلطته مصدر احترامه..
فالاحترام الحقيقي الذي يتلقاه المعلم من طلبته يجب أن يكون صادرا عن حبهم له وإعجابهم به، ولا قيمة لأي احترام يكون مصدرَ خوف من الطلبة على مستقبلهم ومصالحهم.
ليست الهيبة خوفا ورهبة، إنما هي الشعور بأن لدى المعلم أشياءَ كثيرة؛ الطالب في حاجة إليها، وهي الشعور بتفوق المعلم خُلقا وسلوكا، فكلما اقترب المعلم من التطابق مع القيم الإسلامية السامية ازدادت مصداقيته وجعل الآخرين أكثر إعجابا به.
الهيبة والاحترام والتقدير أشياءُ تكتسب ولا تورث، فعلى المعلم أن يتصف بالسمات التي تجعل الطلبة يهابونه ويقدرونه عن طيب خاطر، وجو الاحترام ليس شيئا يصنعه الطلبة وحدهم، إنما هي مسؤولية المعلمين والإدارة التربوية والمجتمع أيضا.
ولعل من بين تلك الصفات التي يحرص المعلم على امتثالها:
• التزام المعلم بما يقول ويُدَرِّس، فلا يلاحظ الطلبة تناقضا بين أقواله وأفعاله، بل يحرص على أن ينسجم مع جوهر الثقافة الإسلامية التي تُعد محور التربية.
• تطوير المدارك المعرفية والسمو نحو الرجاحة في العقل والتفكير السديد، فالطالب دوما ينتظر من أستاذه معارفَ جديدة وخبرات متجددة، ويصبو إلى أن يرى من أستاذه أسلوبا مغايرا في الشرح وإبداعا في استعمال الألفاظ والوسائل.. مما يجعل الطالبَ أكثر ارتياحا للمعلومة وأشدَّ تمسكا بتطبيقها وتبليغها.
• امتلاك المعلم قدرا من الشفافية يمكّنه من الشعور بآمال الطلبة وآلامهم من غير أن يطّلع على تفاصيل حياتهم.
• تماسك شخصية المعلم ومدى سيطرته على انفعالاته، ومن المعروف أن كثيرا من هيبة المعلم تمسي موضع تساؤل نتيجة كثرة ضحكه وسرعة غضبه وتدني مستوى اهتماماته..
هذا وإن في نظام "النسق المفتوح" الذي تتخذه بعض الإدارات التربوية منهجا لها في التعامل مع عمار مؤسساتها بعضَ الكفيل في ترشيد العلاقة التي ينبغي أن تجمع المعلمين بأبنائهم الطلبة.
إن قوة شخصية المعلم وسداد فكره يَكمنان في مدى قدرته على معرفة الحدود الفاصلة بين المعاني و السلوكات التي بينها تماسٌّ وتقارب دقيق، حتى لا يقع في الإفراط أو التفريط، ويعرف كيف يهابه ويحترمه أبناؤه الطلبة حُبا وإعجابا لا خوفا وتوجّسا.
المرجع: بناء الأجيال، الدكتور عبد الكريم بكار، ط1، 1423هـ / 2002م.
ويستشهد زميلي بما وقع في قسمه ذات يوم؛ حين كان الطلبة يملأونه بالحركة والنشاط سرورا أوشرورا...
فجأةً.. لُمح ظلُّ المعلم "الْمُهاب" يطل من بعيد، وسُمعت بحّة صوته المعتادة، فهرع الطلبة سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون، فتراهم سكارى وما هم بسكارى ولكن عقاب المعلم شديد..
استقر كلٌّ منهم في مكانه ونجا بنفسه خشية أن يُتَّهم بالوقاحة وسوء الأدب جراء "الفوضى" التي أجرمها.
يضيف زميلي معتزّا مفتخرا: أرأيت إلى الهيبة التي يتّسم بها معلمي؟ فهي وحدها التي تجعل الطلبة يحترمونه ويهابون مواجهته..
قلت في نفسي: ألم يكن من الأجدر بهذا المعلم "القدوة" أن يجعل طلبته - إذ يهابونه – يتسارعون إلى استقباله والظفر بابتسامة منه وكلمة طيبة ؟
إن الوضعية الصحيحة؛ هي التي يكون فيها احترام المعلم مصدرَ سلطته، لا الوضعية التي تكون فيها سلطته مصدر احترامه..
فالاحترام الحقيقي الذي يتلقاه المعلم من طلبته يجب أن يكون صادرا عن حبهم له وإعجابهم به، ولا قيمة لأي احترام يكون مصدرَ خوف من الطلبة على مستقبلهم ومصالحهم.
ليست الهيبة خوفا ورهبة، إنما هي الشعور بأن لدى المعلم أشياءَ كثيرة؛ الطالب في حاجة إليها، وهي الشعور بتفوق المعلم خُلقا وسلوكا، فكلما اقترب المعلم من التطابق مع القيم الإسلامية السامية ازدادت مصداقيته وجعل الآخرين أكثر إعجابا به.
الهيبة والاحترام والتقدير أشياءُ تكتسب ولا تورث، فعلى المعلم أن يتصف بالسمات التي تجعل الطلبة يهابونه ويقدرونه عن طيب خاطر، وجو الاحترام ليس شيئا يصنعه الطلبة وحدهم، إنما هي مسؤولية المعلمين والإدارة التربوية والمجتمع أيضا.
ولعل من بين تلك الصفات التي يحرص المعلم على امتثالها:
• التزام المعلم بما يقول ويُدَرِّس، فلا يلاحظ الطلبة تناقضا بين أقواله وأفعاله، بل يحرص على أن ينسجم مع جوهر الثقافة الإسلامية التي تُعد محور التربية.
• تطوير المدارك المعرفية والسمو نحو الرجاحة في العقل والتفكير السديد، فالطالب دوما ينتظر من أستاذه معارفَ جديدة وخبرات متجددة، ويصبو إلى أن يرى من أستاذه أسلوبا مغايرا في الشرح وإبداعا في استعمال الألفاظ والوسائل.. مما يجعل الطالبَ أكثر ارتياحا للمعلومة وأشدَّ تمسكا بتطبيقها وتبليغها.
• امتلاك المعلم قدرا من الشفافية يمكّنه من الشعور بآمال الطلبة وآلامهم من غير أن يطّلع على تفاصيل حياتهم.
• تماسك شخصية المعلم ومدى سيطرته على انفعالاته، ومن المعروف أن كثيرا من هيبة المعلم تمسي موضع تساؤل نتيجة كثرة ضحكه وسرعة غضبه وتدني مستوى اهتماماته..
هذا وإن في نظام "النسق المفتوح" الذي تتخذه بعض الإدارات التربوية منهجا لها في التعامل مع عمار مؤسساتها بعضَ الكفيل في ترشيد العلاقة التي ينبغي أن تجمع المعلمين بأبنائهم الطلبة.
إن قوة شخصية المعلم وسداد فكره يَكمنان في مدى قدرته على معرفة الحدود الفاصلة بين المعاني و السلوكات التي بينها تماسٌّ وتقارب دقيق، حتى لا يقع في الإفراط أو التفريط، ويعرف كيف يهابه ويحترمه أبناؤه الطلبة حُبا وإعجابا لا خوفا وتوجّسا.
المرجع: بناء الأجيال، الدكتور عبد الكريم بكار، ط1، 1423هـ / 2002م.