سأل الوالدُ المعلمَ عن مستوى ابنه في مادة التربية الإسلامية، فكان جوابُ المعلم بعد أن قلّب الدفاتر أنِ اطمئن سيدي الكريم، فنقاط ابنك كلها ممتازة ومشرفة.
20 نقطة من أصل 20 في الحديث، ومثلها في الأخلاق، و18 في الفقه، فلا داعي للقلق على مستقبل ابنك ، سينتقل إلى القسم الأعلى بجدارة واستحقاق.
ارتسمت على وجه الوالد بَعَثَاتُ الدهشة والاستغراب وقال: "عفوا سيدي المعلم، لكن ابني يتهاون في صلاته، ولا يصدق في حديثة، ولا يقرأ القرآن.."
أين الخلل إذن ؟؟
التلميذ متفوق ولا يرضى دون الريادة مرتبة، والمعلم منضبط ويتمّ البرنامجَ السنوي في الوقت المحدد، والوالد لا يتوانى في توفير كل ما يراه مساعدا لابنه في دراسته..
فكيف تكون النتيجة المدرسية ممتازة، ويكون السلوك الحقيقي رسوبا بجدارة ؟
إن نظامنا التعليمي حصر دورَ المعلم في نقل المعلومات من الكتاب إلى ذهن التلميذ دون متابعته في تطبيق ما تعلم، فأصبحت المعارف محفوظاتٍ تُحشى بها الأذهان، لا صلة لها بالواقع ولا ارتباط لها بسلوكات عملية تستقيم بها الحياة وينجو بها العبد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ويمكن ملاحظة ذلك من خلال:
• واقع الامتحانات التي تعتمد قياسَ مستوى الحفظ عند التلاميذ بشكل رئيس، فما على التلميذ - إذا اقتربت مواعيد الامتحانات - إلاّ أن يخصص وقتا يستجمع فيه شتات ذهنه لحفظ كلّ ما كتب على الكراس، فيسهل عليه الْحَلب في إناء معلمه الذي لا ينتظر منه أكثر من ذلك ليبوئه الريادة وينال تقدير المدير والولي، فصار همّ المعلم الحفظ، وهمّ الإدارة الحفظ ، وهمّ الوالد الحفظ، ومن باب أولى هو همّ التلميذ، فعلَّّمونا بذلك أن تقويم المعلم والتلميذ والمدرسة يكون على أساس نتائج الامتحانات .
• عدم وجود مجال لقياس الجانب السلوكي لدى التلميذ، وعدم التفكير في تطوير الأساليب التقويمية.
• واقع المناهج والمقررات التي يغلب على صياغتها جانب الحفظ، فهي تكاد تخلو من الجانب العملي إنْ في صياغة اسم المادة أو عنوان الدرس أو المحتوى أو الخلاصة أو النشاط التقويمي.
• الوسائل التي يعتمدها المعلم لتحقيق أهداف المقرر، حيث صارت وسائلَ تسعى لتحقيق الحفظ، وهذه نتيجة حتمية لارتباط الوسائل بأهداف المقرر.
• محاسبة الوالد للابن على النتائج لا على التطبيق، مع كون تلك النتائج لا تعبّر حقيقة عن وعي التلميذ للمعلومة والتزامه بتطبيقها، أم عدم وعيه لها.
إذًا على المنظومة التربوية أن ترتّب أولوياتِها، لتحقيق الهدف الأساس في العملية التربوية الذي هو: التعلم من أجل العمل، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوْا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ"(الصف:2. 3) وقال ابن مسعود:"كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن" فلابد أن يكون هدفُ التعليم وهدف المعلم بالدرجة الأولى هو تغيير وتعديل السلوك العملي، من خلال رباعية: الحفظ، الفهم، التطبيق، التبليغ، فيحفظ التلميذ القدر الذي يحتاجه في الاطمئنان إلى المعلومة ووعيها، ويساعده على تجسيد ذلك سلوكا وواقعا، ويتسلح به -كدليل- عند التبليغ.
وبناءً عليه تتغير المناهج والمقررات، ويتغير التقويم، وترشُد نظرة الولي والمجتمع إلى الْمتعلم.
الأستاذ: مختار بن الحاج يوسف باي أحمد
(مركز التطوير العلمي)
بن يزقن - غرداية